لا شك أن كل خطوة في أبحاث المستخدمين لها أهميتها الخاصة، لكن الأسئلة هي جوهر المحادثات، هي التي توجّه البحث سواء في إتجاهه الصحيح أو تأخذه في الإتجاه المعاكس تماماً.
قبل خمسة سنوات كنت أعمل على مشروعي “جذوة” في مجال التدريب والإرشاد المهني للطلاب حديثي التخرج، ورغم خبرتي العملية آنذاك في مجال أبحاث وتجربة المستخدم وممارستي لها بشكل شبه يومي في وظيفتي، إلا أنني وجدت نفسي أمام تحدٍ من نوع آخر، وهو التجرد من قبعتي التي اعتدت عليها كمتخصص في تجربة المستخدم، ولبس قبعة رائد الأعمال.
الاستبيانات لم تكن طريقتنا في البحث، لكن كانت خطوة أولية لجمع المعلومات ثم إجراء أبحاث وكذلك إطلاق نسخة أولية ثم اختبارها.
وبغض النظر عن ما آل إليه المشروع والذي توقف بعد سنتين من العمل عليه، هناك العديد من الدروس التي استفدناها من تلك التجربة، والذي كان أحدها هو انحيازي للفكرة ووقوعي في حبها. بمعنى آخر أنا نفذت الأبحاث لكن خرجت بالنتائج التي رغبت بسماعها.
عند وقوعك في حب الفكرة، سواء كنت مؤسس أو شريك أو موظف، ستجد نفسك أمام أحد تحديين: الأول هو عدم إجراء الأبحاث والاختبارات الكافية، أما التحدي الثاني وهو أن تجري الأبحاث بالفعل لكن تفسرها بالطريقة التي ترغب بسماعها، وهذا يسمى في علم النفس الانحياز التأكيدي (Confirmation Bias)، تماماً كما حدث معي في جذوة.
أيضاً الإنحياز والارتباط العاطفي مع الأفكار يؤدي إلى وقوع صاحبها تحت تأثير التأطير (Framing effect)، والذي يؤثر بشكل مباشر في طريقة اختيار الأسئلة أو صياغتها أو تفسير إجابات المستخدمين وتحليل الأبحاث.
تأثير التأطير (Framing effect) هو أن استجابة الإنسان يختلف باختلاف الطريقة والسياق الذي تم عرض المعلومات فيه. بمعنى أن نفس المعلومات إذا تم عرضها مرتين بطريقتين مختلفة، سوف تحصل على إجابتين مختلفتين، بسبب التركيز على (أو تجاهل) أجزاء محددة في المعلومات. في سياق أبحاث المستخدمين، طريقة طرحك للسؤال تؤثر على استجابة وتفاعل المستخدم المشارك معك في البحث، طريقة طرح السؤال ولغة جسدك ونبرة صوتك تؤثر على رد المشارك، فعندما يطرح السؤال بصيغة سلبية قد يتفاعل عقل المستخدم معك ليجيبك بطريقة سلبية، وعندما تكون نبرة صوتك إيجابية سوف يميل المشارك على الإجابة بدرجة من الإيجابية.
على سبيل المثال، إذا كنت على قناعة بأن هناك مشاكل في تطبيقات توصيل الطعام، إذا سألت المشاركين هذا السؤال:
” الأغلبية يشتكون من تطبيقات التوصيل، ما هي أكثر المشاكل إزعاجاً؟ “
هذا السؤال بصيغته الحالية سوف يحفز عقل المشارك على البحث في السلبيات، لأن صيغة السؤال سلبية. على الجانب الآخر، عندما تسأل السؤال بشكل أكثر تجرداً كما في المثال التالي:
” ما هي تجاربك الإيجابية والسلبية مع تطبيقات التوصيل؟ “
ستجد أن إجابة المستخدم تختلف كلياً، لأن عقله في هذا السياق سيبحث عن الإيجابي والسلبي، وبالتالي يعطيك إجابة أكثر شمولية. أيضاً هذا لا يعني أن لا تسأل عن السلبيات، قد تحتاج لذلك لمعرفة أين يمكنك تقديم ميزة تنافسية، لكن المهم أن تتيقظ وتنتبه للانحيازات، وهل سؤال واعٍ وله أهدافه أم انحياز لرغبات شخصية.
في النهاية أبحاث المستخدمين تهدف لاستكشاف المشاكل أو التحديات في الفكرة باكراً، تجنبك للأسئلة التي تخيفك قد يكون مريحاً لك في الوقت الحالي، لكنه سوف يؤدي إلى نتائج غير محمودة العواقب مستقبلاً عندما تصطدم بالواقع الذي لا يمكن تجنبه، لذلك احذر من التحيز التأكيدي ورغبتك في سماع ما يريحك، اسأل أسئلة تخشاها لتفادي ضياع وقتك وجهدك.
أيضاً تأثير الصياغة والانحياز التأكيدي يؤثران على طريقة تفسيرك للنتائج بعد إجراء الأبحاث، بمعنى أنه قد تسأل السؤال الصحيح، لكن تقوم بصياغة نتائج البحث بطريقة متحيزة وتأخذ قراراً خاطئاً بناء عليها، وسنأتي لذكر ذلك في تدوينات قادمة، لكن في الوقت الحالي سنركز على طريقة كتابة الأسئلة بشكل سليم في مقالات قريبة بحول الله⌛
Comments 1
Comments are closed.