هل أخذ الاهتمام بالبيرسونا أكبر من حجمه؟

على مدار السنوات الماضية أجريت عشرات المقابلات الوظيفية لباحثين عن عمل في إدارة المنتجات وتجربة المستخدم، وعادة اسأل سؤال متعلق بشخصية العميل، أو لنسميها كما يعرفها الغالبية بالبيرسونا (Persona): هل سبق لك العمل على بيرسونا؟ احكيلي كيف بنيتها.

كثير من المتقدمين تعاملوا مع البيرسونا على أنها مجرد قالب يتم تعبئته بالمعلومات، وعنصر ضمن قائمة مهام (Checklist) عندهم لازم يحطوا علامة “مكتمل” أمامها عند تطوير منتج رقمي جديد، أو تحسين منتج قائم:

  • خمس مقابلات مع عملاء
  • خريطة الموقع (Sitemap)
  • خريطة رحلة العميل
  • بيرسونا
  • سكيتش على ورق
  • بروتوتايب أبيض أسود
  • بروتوتايب دقة عالية

لا ألومهم، لا سيما المستجدين، لأنهم هكذا تعلموها في الدورات النظرية. كل ما سبق ذكره وغيره من الأدوات تظل أدوات، اختيار أداة دون الأخرى مرتبط بعدة عوامل مثل فهمك واستيعابك لها، وقدرتك على تنفيذها بالإمكانيات المتاحة، وكذلك إمكانية الاستفادة منها مستقبلاً. ما سبق كلام عام. الآن نذهب للبيرسونا، هناك ثلاثة جوانب تساعدك تقرر هل تبني بيرسونا أم لا:

  1. هل للمنتج فئات مستهدفة محددة؟
  2. هل يوجد بيانات كافية أو يمكن إيجادها؟
  3. هل بناءها سيفيد مستقبلاً؟

هل للمنتج فئات مستهدفة محددة؟

من الشائع في المراحل المبكرة من عمر المنتجات أن يتم اختبار العديد من الأفكار بشكل سريع ومع عدة فئات مستهدفة، وفي غضون أشهر تركز على فئات وتستبعد فئات أخرى أقل جدوى. هكذا تبنى الشركات الناشئة لا سيما إذا كان المنتج يستهدف قطاع غير ناضج وغير مشبّع بالمنافسين، وهذا موضوع يطول شرحه خلينا نرجع للبيرسونا.

إذا كنت في البدايات، لا زلت تجرّب وتختبر ولست متيقّن من شرائح وفئات العملاء التي تستهدفها فلا داعي للتفكير في البيرسونا. الأولى والأجدى استخدام طرق بحثية أكثر فاعلية وسرعة مثل:

  1. المحادثات مع المستخدمين ونقاط الألم والدوافع وغيرها. وتأخذ العديد من الأشكال منها الرسمية والعفوية، وكذلك تختلف أهدافها من استكشاف الاحتياج إلى اختبار الحلول. كتبت أكثر من ١٥ مقال حولها في مدونتي تجدها هنا.
  2. الممارسات الموجودة بالفعل في السوق على فئات محددة من المستخدمين، مثل أنواع المشتريين (Buyer types) في المنصات السوقية والمتاجر الالكترونية. وهي أبحاث مثبتة بدرجة كبيرة على سلوكيات المستخدمين العامة، وتستطيع البدء منها.

على الجانب الآخر، إذا كان المنتج في مرحلة وضوح حول الشرائح المستهدفة، بعدها يأتي دور السؤال التالي. هل يوجد بيانات كافية أو يمكن إيجادها؟


هل يوجد بيانات كافية أو يمكن إيجادها؟

البيرسونا ليست شخصية خيالية أو افتراضية، هي تمثيل عام لكن دقيق لفئة محددة من العملاء. لذلك لا تُبنى عبر جلسات العصف الذهني أو بالتوقعات والتخمينات. هناك طريقتين لا ثالث لهما لبنائها:

الأبحاث النوعية: وتشمل المحادثات المباشرة مع المستخدمين، بشكل فردي أو على شكل مجموعات التركيز، كذلك تأخذ العديد من الأشكال بين طابع رسمي أو عفوي، لقاء مباشر أو اتصال. في النهاية يستنبط الباحث العديد من التفاصيل مثل الاحتياجات والدوافع والأهداف والعوائق وغيرها من التفاصيل التي تساعد في استكشاف الاحتياج وكذلك الحلول.

والتفاصيل في فئات المستخدمين هنا مهم حيث لا يوجد يوجد بيرسونا عامة شاملة لكل المستخدمين. كل فئة من الفئات المستهدفة تحتاج بناء بيرسونا محددة مبنية على أبحاث.

البيانات الكمية: عند وجود منتج قائم بالفعل ولديه عدد كافي من الزيارات أو عمليات الشراء، يمكن استخدام التحليلات والبيانات الكمّية لتحليل سلوكيات المستخدمين في تفاعلاتهم السابقة أو الحالية مع المنتج، فمثلاً منصة سوقية تقسّم لهم المستخدمين حسب زياراتهم واهتماماتهم داخل المنصة وسجلات البحث السابقة وغيرها. هناك العديد من الأدوات التي تساعدك في إيجاد أنماط مشتركة بين العملاء، أو عمل Profiling، مثل أدوات الـ CDP، رغم أنها معنية أكثر بفريق التسويق أو البيانات، لكن تستطيع بناء أو تحسين البيرسونا المتكونة لديك لأحد الفئات المستهدفة من خلال ملاحظة البيانات المستخرجة منها.

الآن لنفترض هناك وضوح في الفئات المستهدفة كما شرحنا في النقطة الأولى، ووجود البيانات الكافية سواء النوعية أو الكيفية، نأتي للجانب الأخير: هل بناء البيرسونا سيكون فعلاً مفيد لنا كفريق مستقبلاً؟


هل بناءها سيفيد مستقبلاً؟

هذا كاركتير لطيف يتحدث عن أمر آخر مختلف عن البيرسونا وهو البيانات، لكنه يشترك معه في نفس الفكرة. 

البيرسونا كالبيانات كأي مُخرج آخر، مثل خريطة رحلة العميل وخريطة التعاطف وغيرهم من عشرات المخرجات، ليست غايات في حد ذاتها إنما مجرد وسائل وأدوات نستخدمها في عند احتياجها.

  • هل فعلاً بناء البيرسونا يساعدنا في أخذ قرارات؟
  • هل يحسّن من جودة التواصل والتفاهم بين فرق العمل المختلفة؟
  • كيف تغذي مخرجات فريق التصميم
  • هل تساعد فريق التسويق في أخذ قرارات استهداف / إعادة استهداف، أو توعية عملاء أفضل؟
  • هل تساعد فريق تطوير الأعمال بشكل أو آخر في معرفة سلوك الشركاء أو بعض أصحاب المصلحة؟
  • هل تساعد فريق خدمة العملاء في التفرقة بين شخصيات العملاء وبالتالي التفاعل بشكل مختلف مع كل نوع؟

الأسئلة السابقة، وغيرها، تساعدك تحدد البيرسونا التي تبنيها بناء على الاستفادة المتوقعة منها، وليست لجميع الشرائح إلا إذا دعت الحاجة لذلك.

ختاماً أعتقد أن البيرسونا أخذت أكبر من حجمها من حيث الفائدة الحقيقية على المنتج، الهوس بالمصلحات والمفاهيم يضر أكثر من منفعته. تظل البيرسونا مفيدة في حالات وسياقات محددة عكس ما يروج له في العديد من الدورات التي تشرحها كجزء من الأساسيات التي لا يكتمل العمل بدونها.

دمتم بخير.

شارك المعرفة عبر منصات التواصل
أو انسخ هذا الرابط من هنا
قد يهمك أيضا