تأتيني الكثير من الاستفسارات حول الأبحاث في عملية بناء وتطوير المنتجات الرقمية، عن أنواعها ومتى تستخدم نوع أو أسلوب محدد دون الآخر، في هذا المقال أحاول الإجابة بشكل مبسط حول ذلك محاولاً تغطية الجوانب التالية:
- تعريفات وأمثلة للأبحاث النوعية
- تعريفات وأمثلة للأبحاث الكمية
- أي النوعين أكثر أهمية؟
- دمج الأبحاث النوعية والكمية
بداية الأبحاث بمفهومها الشمولي تأخذ العديد من الأساليب والطرق بغرض الحصول على المعلومات التي تغذي عملية صنع القرار. لكن إجمالاً يمكننا تصنيف الأبحاث إلى أحد نوعين رئيسيين: أبحاث كمّية، وأبحاث نوعية.
الأبحاث الكمية (Quantitative Researches)
الأبحاث الكمية هي تلك التي تركز على البيانات والأرقام، وتستند عادة إلى كمية كبيرة من البيانات من أجل الوصول لنتيجة مفيدة يمكن الاعتماد عليها في أخذ القرارات، وهنا بعض التصنيفات للأبحاث الكمية:
- دراسات السوق: وهي دراسات تهدف إلى تحليل وفهم السوق، على سبيل المثال حجم الفئة المستهدفة من العملاء أو مزودي الخدمات، وحجم القيمة السوقية المالية للقطاع. يستخدم هذا النوع من الأبحاث عادة في بدايات المشاريع أو عند التوسع واستهداف أسواق جديدة.
- التحليلات: مثل تحليل سلوكيات المستخدمين في المنتجات الرقمية، مثل معدلات الشراء، معدل الخروج، معدلات النقر إلى الظهور، وغيرها. تفيد هذه التحليلات في معرفة الحقائق حول تصرفات المستخدمين داخل المنصة أو المنتج الرقمي.
- اختبارات A/B: وهي اختبارات تجرى على عنصر محدد داخل واجهة المستخدم، عن طريق إطلاق نسخة إضافية معدّلة وتقسيم الزوار بين النسختين: الأصلية والمقترحة، ثم إجراء الاختبار واعتماد النسخة الأكثر نجاحاً بناء على معايير يتم تحديدها قبل البدء في الاختبار.
كما لاحظنا أعلاه أن الأساليب البحثية الكمية تركز على الأرقام كوسيلة للقياس، وبالتالي تتطلب كم كبير من البيانات من أجل إخراج نتائج يمكن البناء عليها، في بعض الحالات قد يصل ما بين ٥ إلى ١٠ أضعاف كم البيانات المطلوب أو أعداد المشاركين مقارنة بالأبحاث النوعية التي نشرح نبذة عنها في السطور القادمة.
الأبحاث النوعية (Qualitative Researches)
على الجانب الآخر، تركز الأبحاث النوعية على جودة المعلومات وعمقها، في الأبحاث النوعية لا يتم الاكتفاء بفهم الإجابات الأولية والعموميات، بل يتم التعمق لفهم جذور المشكلة وفهم أهداف المستخدم ودوافعه وتصوّر السياق والمحيط والعقبات التي تواجه. ونظراً لعمق الأبحاث النوعية فإنها لا تتطلب هذا العدد الكبير من المشاركين أو البيانات مقارنة بالأبحاث الكمية كما شرحنا أعلاه، ويمكن تعميم نتيجة مجموعة صغيرة على شريحة أكبر من نفس النوع.
هناك العديد من أساليب البحث النوعية، نستعرض هنا أسلوبين ذي علاقة بالمنتجات الرقمية:
- أبحاث المستخدمين: وهي الأبحاث التي يتم التفاعل فيها بشكل مباشر مع العملاء للتعلم منهم وفهم احتياجاتهم للتأكد من بناء منتج يقدم لهم قيمة. تأخذ أبحاث المستخدم العديد من الأشكال، مثل الأبحاث المنظمة والتي يطلق عليها في بعض السياقات مقابلات المستخدمين أو (User Interviews) وتأخذ في أحيان أخرى شكل أقل تنظيماً وأكثر عملية وتكون على شكل محادثات ميدانية مع الفئات المستهدفة.
- اختبار قابلية الاستخدام: وهو اختبار يتم مع مستخدمين حقيقيين بعد بناء المنتج أو بعض مميزاته، يهدف هذا الاختبار للتحقق من سهولة الاستخدام وقدرة المستخدم على التنقل وتنفيذ المهام بسهولة.
كما شرحنا في السطور الأولى من المقال، الأبحاث الكمية تعطي نتائج عامة ولا تجيب على أخطر الأسئلة التي تحتاجها في دراسة الأفكار واختبارها مثل:
- الإحتياجات: هل المشكلة حقيقية ومؤلمة للمستخدم؟ أم يمكن التعايش معها وإيجاد حلول بديلة؟ هل حاول المستخدم إيجاد حلول سابقة؟ هل دفع مبالغ مالية في سبيل حل هذه المشكلة، سواء بالحل مطابق أو مختلف عن الفكرة التي تدور في رأسك؟
- الدوافع: ما هي الحوافز التي تحرّك المستخدم؟ وما هي تبعات وعواقب وجود هذه المشكلة؟ هل الحوافز خارجية مثل البيئة أو الوضع الإجتماعي أو المال؟ أم داخلية مثل الرضا الداخلي أو النمو أو غيرها؟ أم مزيج بين الاثنين
- العوائق: ما هي الحواجز والصعاب التي تقابل المستخدم أثناء محاولته حل هذه المشكلة؟
هذا النوع من العمق في المعلومات لا يكشفه لك الاستبيانات أو الأبحاث الكمية مهما بلغت قوتها وتفصيلها. في الأبحاث النوعية أنت من يغوص ليستخرج ويستنبط الإجابات، تعيد صياغة السؤال للتأكد من فهم المستخدم له، تطلب مواقف وقصص تقربك أكثر من الصورة الواقعية.
أي النوعين أكثر أهمية؟
إذاً وبعد أن ألقينا نظرة عامة حول الأبحاث النوعية والأبحاث الكمية، قد يتبادر هذا السؤال لأذهاننا: أي النوعين أكثر أهمية؟ الحقيقة أن كلاهما مهم ولا غنى عنه. السؤال ينبغي أن يكون: متى أحتاج الأبحاث الكمية ومتى أحتاج الأبحاث النوعية؟ حيث أن كلاهما مهم وله استخداماته، ففي بدايات المشاريع وقبل التفكير تطوير المنتج ستحتاج إلى الأبحاث الكمية لمعرفة حقائق حول السوق، وعند تحديدك لشرائح العملاء ستحتاج الأبحاث النوعية لفهم المستخدمين بعمق، وبعد تطوير المنتج ستحتاج بعض الأبحاث الكمية لمعرفة أعداد الزوار ومعدلات الشراء على سبيل المثال لا الحصر.
أيضاً الأبحاث النوعية تأتي كمفسّر للأبحاث الكمية، على سبيل المثال إذا ظهر لديك انخفاض في تقييمات العملاء لتطبيقك في متجر تطبيقات أندرويد من 4.5 إلى 3.4 خلال الشهر الماضي، تستطيع إجراء بعض الأبحاث النوعية مثل محادثات هاتفية أو مقابلات معهم لفهم تجربتهم الأخيرة التي أدت إلى عدم الرضى في الخدمة. كذلك في مثال الاستبيان أعلاه، قد استخدم هذه النتيجة الأولية للتعمق أكثر في أبحاثي النوعية القادمة ووضع افتراضات تساعدني على طرح الأسئلة المناسبة، كما سنشرح في الفصل الثاني في التخطيط لأبحاث المستخدمين.
مزج الأبحاث الكمية والنوعية
في كثير من الحالات يتم مزج الأبحاث الكمية والنوعية في وقت واحد، وذلك باستخدام بحث نوعي وتحويله إلى كمي عند تحليل النتائج وهو ما يسمى بـ (Quantification)، على سبيل المثال عند تنفيذ استبانة بحثية، أو إجراء مقابلات مع مستخدمين، يمكن تحويل بعض النتائج إلى أرقام، على سبيل المثال:
- ٥٣ شخص لم يستخدموا هذه الخاصية مطلقاً.
- ٨٧٪ من المشاركين ذهبوا لشراء أثاث مرة على الأقل خلال الشهر الماضي.
تحويل البيانات النوعية إلى كمية هي طريقة مفيدة في الأبحاث النوعية لتقليل التحيز البشري اللاواعي، والذي قد يحدث لأي شخص خصوصاً المستجدين في الأبحاث النوعية، لتفسير النتائج بطريقة يرغب في سماعها، وهو ما يسمى في علم النفس الانحياز التأكيدي (Confirmation bias).
أيضاً المحادثات مع المستخدمين أو أبحاث المستخدم (User Research) يمكن دمجها وسط أبحاث أو إجراءات أخرى، على سبيل المثال يمكن تدريب فريق خدمة العملاء للمساعدة للحصول على معلومات بحثية أثناء تأديتهم لمهامهم وتفاعلهم المباشر مع العملاء أو المستخدمين، كذلك يمكن دمجها مع اختبارات قابلية الاستخدام (Usability testing) بحيث يتم طرح بعض الأسئلة البحثية التي تهدف لمعرفة أهداف واحتياجات المستخدم. من المهم مراعاة وقت المستخدم وظروفه عند دمج الأبحاث، بحيث لا تكون الأسئلة كثيرة أو طويلة بحيث لا يشعر المستخدم بعدم الارتياح.
Comments 1
Comments are closed.