شرحنا في المقال السابق هنا أهمية الأسئلة في المحادثات مع المستخدمين، وكيف للإنحيازات الشخصية أن تفسد عملية البحث برمته. في هذا المقال نتعمق أكثر حول معيارين تساعدك على تمييز السؤال السليم من الخاطئ.
السؤال السليم في المحادثات مع المستخدمين يراعي بُعدين رئيسيين:
حقائق حول الماضي أو الحاضر
الأسئلة حول الماضي تعطيك حقائق حول سلوكيات المستخدمين وكيفية تعاملهم مع الأمور، والدوافع التي لديهم، والعوائق التي قابلتهم. أما المستقبل فهو مجرد آراء أو توقعات، لا سيما أن الناس تميل للتفاؤل حيال المستقبل وما يمكنهم تحقيقه.
يتعمق في التفاصيل والمواقف
السؤال الممتاز يستخرج تفاصيل وقصص ومواقف من المستخدمين، تستطيع من خلالها قراءة ما بين السطور، الأسئلة العامة والتي عادة تكون إجاباتها مغلقة وقصيرة من نوع “نعم” أو “لا” لا تكشف لك الدوافع والعوائق الخفية.
هذه رسمة اخترعتها وأتمنى تكون واضحة للجميع وليس لي أنا فقط😅 توضح الرسمة هذين البُعدين للسؤال السليم: البعد الأول هو الماضي مقارنة بالمستقبل، والثاني درجة التفاصيل في المحادثة. هذا ينطبق على جميع أشكال الأبحاث الاستكشافية مع العملاء سواء بشكلها المنظم أو المحادثات السريعة، وبأساليبها المختلفة مثل الجماعية أو الفردية.
💡مثال لمحادثة سيئة
صديقنا عزّام هو مؤسس لمنصة إرشاد مهني تساعد الطلاب على اختيار التخصص الجامعي المناسب، ولديه افتراض أن الطلاب يفضلون اختيار التخصص بمساعدة مرشد مهني. بدأ عزّام بإجراء مقابلات مع بعض الطلاب في مرحلة اختيار التخصص الجامعي وقابل الطالب خالد، ودار بينهما الحوار التالي:
ما رأيك في المحادثة السابقة؟ في الحقيقة هناك جملة من الأخطاء ارتكبها عزّام في المحادثة السابقة أدت إلى إجابات غير حقيقة من خالد، وسنأخذ الخطأين الأبرز:
- لم يفهم المشكلة وناقش أفكار مستقبلية
- سأل أسئلة عامة غير مفصّلة
لنتعمق ونحلل الخطأين السابقين بشيء من التفصيل.
الخطأ (١): لم يفهم المشكلة وناقش أفكار مستقبلية
لم يسأل مؤسس المشروع عزّام الطالب خالد عن تجربته في البحث عن التخصص الجامعي، كيف كانت تجربته السابقة، ما درجة اهتمامه باختيار التخصص، ما هي الطرق التي حاول من خلالها سابقاً وما هي العوائق والتحديات التي قابلها، هل دفع سابقاً من أجل الحصول على خدمة مشابهة؟
هناك العديد من الأسباب التي تجعل إجابات المستخدم المستقبلية والأفكار هي فخ ينبغي عليك الحذر منه. أولاً: تحب الناس أن تكون لطيفة مع الآخرين وتجامل متى ما وجدوا فرصة لذلك، سنتحدث حول المديح وكيف تتجنبه أو تتعامل معه إن حدث في مقال قادم بإذن الله.
ثانياً: يميل الناس إلى التفاؤل حول المستقبل وما يمكنهم تحقيقه، بمعنى آخر أن الناس عند حديثهم حول المستقبل يتحدثون بما يتمنون أن يفعلوه وكيف يتخيلون شكل حياتهم المثالي، وليس ما يخططون له بالفعل. إضافة إلى التفاؤل بالمستقبل، فإن احتياجات المستخدمين تتغير مع الوقت، وما كان مناسباً لهم في فترة قد لا يكون مناسباً في المستقبل، لذا اختيار المشاكل التي تحلها هي مسؤولية الباحث أو المؤسس وليس المستخدم.
ثالثاً هو أن عامة الناس لا تستطيع تخيل المستقبل بالشكل المطلوب، قد يستطيع البعض ذلك لكن بالمجمل هم يجيدون التحدث بدقة حول حياتهم الحالية وتفاصيلها وكيفية تعاملهم مع الأمور ودوافعهم وتحدياتهم، أما عن المستقبل فهو مسؤولية رواد الأعمال والمبتكرين الذين كرّسوا وقتهم لذلك.
“إذا سألت الناس ماذا يريدون، سوف يقولوا خيولاً أسرع” – هنري فورد
هل كان في مخيلة أحد المستهلكين في ذلك الحين أن التطور للتنقل سوف يكون بواسطة سيارات؟ غالباً لا، كل طموحاتهم كانت شراء خيل أفضل أو أسرع.
“الناس عادة لا يعرفون ما يريدون حتى تظهره لهم” – ستيف جوبز
قطعاً لم يسأل فريق البحث والتطوير في آبل المستخدمين عن أفكار صناعة هواتف حديثة، هم فهموا كيفية تعامل الناس مع أجهزة الهاتف وقتها واستطاعت تخيل المستقبل بفهمهم للابتكار والتقنية كذلك، ثم صنعت هذه الطفرة في أسواق الهواتف الذكية حول العالم.
الخطأ (٢): سأل أسئلة عامة غير مفصّلة
تقول عالمة علم نفس الإنسان مارغريت ميد: “ما يقوله الناس، وما يفعلونه، وما يقولون إنهم يفعلونه أشياء مختلفة تمامًا“. ما تقصده مارغريت أن الإكتفاء بالإجابات الأولية لا يعطي الباحث معلومات دقيقة لجملة من الأسباب:
أولاً قد يفسر الباحث الإجابة بشكل خاطئ عن ما يقصده المستخدم فعلياً، أو قد تختلف المعايير التي يقيس بها الطرفين لنفس الشيء، على سبيل المثال: إذا سألت المستخدم “هل أنت منتظم في ممارسة الرياضة؟” وكانت الإجابة “نعم أنا منتظم في ممارسة الرياضة على مدار خمسة سنوات” ما هو معيار كل طرف في تفسير كلمة “منتظم”؟ كذلك ما هو معيار “ممارسة الرياضة” لدى كل طرف؟ قد يكون معيار الباحث للانتظام هو الممارسة لأربعة مرات أسبوعياً، في حين معيار المستخدم مرة إلى مرتين. كذلك قد يقصد الباحث الرياضات الكثيفة مثل الركض أو حمل الأثقال أو السباحة، في حين يقصد المستخدم المشي فقط مما لا يعتبره الباحث شيء رياضي من الأساس.
ثانياً: قد يخطئ المستخدم في الشرح أو يبالغ في الإجابة، حيث يأخذه الحماس ولا يجيب بشكل دقيق، وهذا قد يحدث هذا بشكل عفوي غير مقصود مننا جميعاً.
للسببين أعلاه نجد أن التعمق في تفاصيل الإجابة الأولية وسؤال أسئلة متابعة حول نفس السؤال تساعدك كباحث على اكتشاف ذلك والحصول على معلومات أكثر دقة. أسئلة المتابعة هذه تكون عادة على شكل “كم مرة عادة تقوم بـ …” أو بطريقة قصصية مثل “حدثني عن آخر مرة قمت بـ …” وهو أفضل لفهم التفاصيل بشكل أعمق.
💡مثال لمحادثة جيدة
الآن لنأخذ نموذج محادثة أخرى بين صديقنا “عزّام” مؤسس منصة التخصصات المهنية الذي أكمل عدة محادثات مع المستخدمين وأطلق ميزة التواصل مع مرشد مهني داخل المنصة، وبعد الإطلاق بفترة وجيزة صُدم من النتائج وضعف الإقبال حتى من بعض الطلاب الذين مدحوا فكرته أثناء محادثاته معهم. بعد ذلك قرر عزّام إجراء المزيد من الأبحاث لكن هذه المرة بطريقة مختلفة قليلاً، حيث استفاد من تجربته السابقة:
ما الفرق بين المحادثة هذه والمحادثة في المثال السابق؟ لا شك أن المحادثة الثانية أفضل بكثير من عدة جوانب:
- بحث عزّام عن حقائق حول تعامل الطالب “سامي” مع اختيار التخصص الجامعي، وكيف بحث سابقاً في العديد من الخيارات مثل المقاييس، ورغم أن هدفه فهم المشكلة وليس عرض الحل إلا أنه حاول استكشاف بعض الحلول ضمنياً دون طرح الفكرة بشكل صريح: “هل لك تجارب مع مرشدين مهنيين” بحيث يستكشف مدى وعي الطالب بهذا الحل وهل له تجارب سابقة معه أم لا.
- تعمق في التفاصيل ولم يكتفي بإجابات سطحية: حيث أنه عندما أجاب سامي أن المقياس المهني كان غير مفيد، كان السبب الحقيقي هو غموض بعض الأسئلة ووجود مشاكل تقنية، وليس أن المقياس فكرة غير مفيدة، هنا تفرق التفاصيل كثيراً، والتي اكتشفها عزّام بالتعمق في الأمثلة وعدم الاكتفاء بالإجابة الأولية العامة.
Comments 1
Comments are closed.