إذا سألت أحد أجدادك أو من في أعمارهم عن آبار المياة سابقاً سيجيبك أنه كان يتطلب الأمر حفر على الأقل خمسة عشر متراً تحت الأرض حتى تصل إلى المياة الجوفية الصالحة للشرب، وربما أكثر بكثير في بعض الحالات.
سنأتي لقصة الحفر لاحقاً في نهايات المقال، أمّا الآن لنتحدث قليلاً في عالم الأعمال.
جلست قبل أيام مع أربعة من الشباب أصحاب المشاريع الريادية، وكانت جلستي معهم للمرة الأولى وبدأ كل شخص يعرّف بنفسه وأعماله السابقة والحالية.
أكثر ما لفت انتباهي هو نمط تكرر بين الجميع، وهو أن جميعهم تحدثوا عن عدة مشاريع أو أفكار يعملون عليها في نفس الوقت وبالتوازي، وهو ما أجده مثيراً لأنه يتطابق تماماً مع تجربتي قبل سنوات عدة عندما كنت شُعْلة مُتَّقِدة أعمل على ثلاثة أفكار / مشاريع في نفس الوقت!
أذكر جلست مع أحد المستثمرين المعروفين (ق.س) وقال لي نصاً أن كل واحدة من تلك المشاريع لها مستقبل، لكن كونك تعمل على ثلاثة أشياء في نفس الوقت يجعلني أتردد بقوة في الاستثمار معك، لأنك لو آمنت بواحد منهم بدرجة كاملة سيكون شغلك الشاغل ولن تلتفت لغيره، على الأقل في الوقت الراهن.
يحكي كذلك لي أحد الأصدقاء المقربين (م.ر) والذين أسّسَ ما يشبه استديو للشركات الناشئة، أنه بعد أربعة سنوات من العمل على العديد من الأفكار، لم تصل أي واحدة فيهم إلى مرحلة ملائمة المنتج للسوق (PMF) والتي تكون مؤشر على وجود احتياج حقيقي، ويُرجع صاحبي السبب في ذلك لعدم التركيز على منتج أو فكرة واحدة وإنجاحها، ثم التفكير في فكرة تالية.
شخصياً بدأت تتولد لدي قناعة، وهي أننا نهرب – أحياناً – من معاناة العمل إلى رحابة الأفكار!
الأفكار تعطيك شعور سريع بالرضا والعبقرية والرضا عن النفس، لكن العمل يتطلب صبر وجَلَد لأشهر وسنوات شاقة من السقوط والنهوض، وهو ما لا يتحمله الكثيرين. وبالتالي كثرة التنقل بين الأفكار هي بشكل أو آخر وسيلة للهرب من الواقع وعدم مواجهة الحقيقة.
في النهاية ستجد أن الجهود متساوية، فلو حسبت الجهد المبذول في إجمالي الأفكار التي عملت عليها – بشكل سطحي – لسنوات، لكانت كافية لإنجاح مشروع واحد بشكل أو آخر.
قد تحتاج أن تحفر خمسة عشر متراً أسفل الأرض حتى تصل للمياة الجوفية، لكنك لن تصل لتلك المياة إذا حفرت خمسة حفر كل واحد منها ثلاثة أمتار، في كل مرة تحفر فيها أنت تعود لنقطة الصفر من جديد.
احفر خمسة عشر متراً في نفس الحفرة!