قارن حياتنا اليوم بحياة أجدادنا في السابق، حيث كان التلفاز والكتب والجرائد والمجلات هي مصادر المعلومات. أما عالمنا اليوم فيشهد طفرة معلوماتية غير مسبوقة، والأكثر أهمية هنا أنها متاحة بين يديك في هاتفك، بضغطة زر تستطيع أن تصل إلى مئات نتائج البحث في جوجل أو غيره من الأدوات.
وفي وسط هذه الوفرة يمكن التحدي .. لا شيء يقيدك ويحد من اختياراتك مثل وفرة الخيارات!
في العام 1952م قام اثنين من علماء النفس William Edmund Hick and Ray Hyman بالعديد من التجارب التي نتج عنها ما يسمى بقانون هيكس (Hick’s Law) والذي يشرح العلاقة بين الوقت المطلوب لأخذ قرار وبين عدد الخيارات المطروحة، حيث أنه كلما زادت الخيارات كلما زادت المدة المطلوبة لأخذ القرار. وعلى العكس كلما قلت الخيارات، كلما قل الوقت المطلوب لأخذ القرار.
تستطيع تطبيق هذه النظرية على كل شيء تقريباً، مثلاً عند ذهابك إلى المطعم، كلما زادت الخيارات في قائمة الطعام كلما زاد الوقت المطلوب منك لاختيار الأصناف.
“إخبار نفسك بأنك تمتلك كل الوقت في العالم .. وكل المال في الدنيا .. وكل الألوان في العلبة .. وكل شيء تريده .. سيقتل الإبداع لديك” جاك وايت
لذلك نشأ مفهوم: Less is more في منتصف القرن التاسع عشر، والذي بدأ بين المصممين والمنتجين، ثم تحول إلى أسلوب حياة لدى الكثيرين فيما عرف أيضاً بـما يسمى ب المينيماليزم (Minimalism)، ويتلخص المفهوم في تجريد الأشياء من حولنا إلى الأساسيات فقط، فمثلاً عند تصميمك لغرفة نومك، تركز فقط على الأشياء الوظيفية الأساسية مثل السرير والدولاب، وتبتعد عن الرسومات والزخارف التي لا دخل لها بالأغراض الرئيسية من غرفة النوم.
يحكي أيضاً أوستين كليون في كتابه (اسرق مثل فنان) كيف يمكن للقيود التي تضعها بنفسك أن تساعدك على الإنجاز بشكل أفضل، ويحكي قصة الدكتور سويس الذي كتب قصة القطة في القبعة (The cat in the hat) ب ٢٣٦ كلمة مختلفة فقط، وعندما تحداه أحد الأشخاص أن يكتب قصة ب ٥٠ كلمة، غادر وعاد بقصة البيض الأخضر واللحم (The green eggs and the ham) وربح الرهان كأحد أفضل قصص الأطفال التي كتبت على الإطلاق.
فيما يلي بعض النصائح التي تساعدك على التحديد والتركيز لإنجاز أفضل:
قلل من استخدام منصات التواصل الإجتماعي
يستخدم الكثيرون وسائل التواصل الإجتماعي للهروب من الضغوطات المختلفة، لكن في حقيقة الأمر أنها تملأ ذاكرتك بالعديد من التفاصيل الغير مفيدة، صديقك اشترى سيارة جديدة، والآخر حصل على جولة تمويلية لمشروعه، آخرين تذمروا حول مدرائهم، وآخرون نشروا مقاطع مضحكة. كل ما شاهدته احتل جزء من ذاكرتك وسحب عقلك خطوة للخلف بعيداً عن فكرة قد تغير حياتك للأفضل، حدد وقتاً محدداً لمتابعة مواقع التواصل، واختر بعناية من تتابع.
اذهب في نزهة أو تمشية على الأقدام
أثبتت العديد من الدراسات أن المشي يساعد على تصفية العقل وتقليل الشرود الذهني، لا سيما إذا كان المشي دون استماع للموسيقى أو البودكاست، اترك سماعتك في المنزل قبل الذهاب للنزهة، ستجد الأمر صعباً في البداية بلا شك، لكن هذا سيجبر عقلك على توليد بدائل في لحظات الملل هذه.
استمتع بمهامك الروتينية
هل لاحظت أن الكثير من الأفكار التي غيرت مسار حياتك وُلدت أثناء ممارستك لمهام روتينية، مثلاً أثناء الاستحمام أو غسيل الملابس؟ تفسير ذلك أن العقل يُولِّد الأفكار الإبداعية عندما يبتعد عن الصخب، والذي يحدث أثناء ممارسة هذه المهام الروتينية التي ينفذها العقل بشكل لا واعٍ.
باختصار، لا شيء يشلّ العقل أكثر من الخيارات اللامحدودة، لذا من المهم أن تعرف وتقرر ما الذي ينبغي أن تتجنبه، أن تقيّد نفسك بنفسك، والقيود هنا تعني المزيد من التركيز والإنتاجية.
بالقليل تستطيع فعل الكثير وكما قال أوستين كليون: “الإبداع غير متعلق بما ننتجه، وإنما بما نتخلى عنه” ..
اختر بحكمة واستمتع ..