هل التفويض نزهة وراحة؟

أحد مدرائي كان يقول لي: “أسعد لحظة لي إذا شفتك جالس تتقهوى وفريقك يشتغلون”. الكلمة لم يقصد بها المعنى الحرفي إنما كانت مجاز وكناية عن أهمية التفويض في الإدارة والقيادة.

كلنا نمتلك ٢٤ ساعة في يومنا لا يمكن زيادتها، ولا يوجد حلول سحرية ولا شركات ناشئة مزعزعة تبتكر طرق لتمديد اليوم ٣٠ ساعة مثلاً، لا حل لزيادة إنتاجيتك وموروثك وتأثيرك مثل تفويض الآخرين الثقات حولك.

التفويض مهارة تحتاج تدربها وتنميها حتى تستفيد منها، أما التفويض العشوائي سيفضي بك إلى مزيد من ضياع الوقت وإعادة العمل مرة أخرى.

هنا خمسة نقاط تعلمتها عن التفويض:

١. الفريق

يقول Jim Collins في كتابه “من جيد إلى عظيم – From Good to Great” أن الشركات العظيمة تبدأ باختيار الأشخاص الأذكياء المميزين، ثم تحديد الوجهة سوياً (Who before What).

نفس الأمر ينطبق في التفويض، بدون الأشخاص الأكفاء سيفشل اعتمادك عليهم وستعود لنقطة الصفر. أيضاً المثالية هنا قد تكون مضرّة، أحياناً تحتاج فقط إلى أشخاص أذكياء ويتصرفون بسلوكيات جيدة، والباقي يتعلمونه مع الوقت، وفي حالات أخرى ومناصب أكثر حساسية تحتاج اختيارات أقوى وأشخاص أكثر خبرة بجانب الذكاء وحسن التصرف.

٢. التصوّر

قبل أن تفوّض غيرك، هل تمتلك أنت وضوحاً كاملاً حول الرؤيا أو الأهداف التي تريد تحقيقها؟ مثلاً أنت قيادي إدارة منتجات أو إدارة التسويق في المنظمة، هل لديك وضوح كامل لما تريد المنظمة بشكل عام تحقيقه، وأين تتجه المنظمة خلال السنوات المقبلة؟ إذا لم يكن لديك قدر عالي من الفهم الدقيق لتلك التوجهات، فستواجه صعوبة في إيصال ذلك لمن ترغب في تفويضهم.

٣. التواصل

كيف مهارات التواصل عندك؟ هل تجيد إيصال الأفكار بطريقة جيدة سهلة وواضحة؟ هل تستطيع فهم مداخل ومفاتيح ودوافع الأشخاص من حولك حتى تقدم لهم شيئاً مفيداً من زاويتهم بحيث يعملون بحب وحماس معك؟

قد يكون فهمك للرؤية والتوجهات ممتاز، لكن لا تنجح في إيصاله لفريقك بشكل جيد، أو تفترض أن دوافع أحد أفراد فريقك مثل دوافعك وتعرضه بالطريقة الخاطئة لذلك الشخص. تطوير مهارات التواصل والذكاء العاطفي أساسية للقياديين الذين يرغبون في تطوير مهاراتهم في التفويض.

٤. المساحة

إذا نجحت في إيصال أفكارك وتوجهاتك للآخرين، أعطهم مساحة لتنفيذها ولا تتدخل في كل تفصيلة، بمعنى آخر لا تعطي تفويضاً شكلياً لأنه يلغي الفائدة والجدوى منه من أساسها. الغرض من التفويض هو أن تعطي مجالاً لنفسك للتركيز على أمور أخرى، وتدخلك في كل شيء يعني أنك أضفت لنفسك يدين إضافيتين لتنفذ نفس المهام، إضافة إلى أن الغالبية من الناس تمتعض من الإدارة الدقيقة (Micro-management) لأنها لا تسمح لهم بالتطوّر لأنهم ينفذون فقط ما في عقلك.

٥. المتابعة

بالتأكيد إعطاء مساحة لا يلغي دور المتابعة والتوجيه والنقد البناء، لكنه ينظّمه ليجعله أكثر فاعليه، ستحتاج متابعة سير العمل والإنجاز من فترة لأخرى تحددها حسب طبيعة العمل وكذلك مستوى خبرة الشخص المفوّض، قد تكون أسبوعية أو شهرية وربما ربع سنوية.

في المتابعة يركز القيادي على التحقق من إنجاز العمل بما يخدم الأهداف والتوجهات، قد يكون هناك إنجاز لكن في الطريق الخاطئ وتكون هنا الفرصة لإعادة القاطرة لمسارها الصحيح.

والتوجيه يعني كيف يتم تفادي الأخطاء الحالية، أو تطوير المهارات لدى المفوّض، والأهم أن يكون تغذية راجعة من الجانبين: يعني أن يسمع القيادي رأي المفوّض لأنه نزل الميدان ومنغمس في التفاصيل وقد يرى الأمور من زاوية قد لا ينتبه لها الآخرون من الخارج.

همسات

التفويض لا ينطبق فقط في عالم الأعمال والشركات بل في حياتنا الشخصية والاجتماعية، في المنزل بين الزوجين، وبين الوالدين والأبناء. ينطبق أيضاً في الأعمال التطوعية وفي كل مكان.

والتفويض لا يمتد أثره وانعكاساته الإيجابية على المفوِّض فحسب، بل على المفوَّض أيضاً، فهو ينمّي مهارات التخطيط والإنجاز ويكسب المفوض مهارات جديدة وخبرات مختلفة، ويصبح هذا الشخص – في حال كان مفوضاً حقيقياً وليس شكلياً – مؤهلاً لتفويض غيره في المستقبل والنمو في السلم القيادي.

شارك المعرفة عبر منصات التواصل
أو انسخ هذا الرابط من هنا
قد يهمك أيضا