هناك نوعين من الأهداف التي قد تخرج بها من مقابلات وأبحاث المستخدمين: الأول استكشاف الاحتياج، والثاني استكشاف الحلول. ورغم أن الأكثر شيوعاً هو النوع الأول وهو إجراء المحادثات بغرض فهم احتياجات المستخدمين وتحدياتهم وسياقاتها بهدف التحليل وإيجاد الحلول لاحقاً، إلا أنه يمكن إجراء المحادثات بهدف التحقق من الحلول واختبارها. وأقصد بالتحقق في هذا السياق هو مدى المنفعة والفائدة المقدمة للمستخدم وليس سهولة المنتج. في هذه الحالة يمكنك طرح بعض الأفكار أو الحلول التي لديك، سواء أن تكون المقابلة كلها بغرض التحقق من الحل، أو أن تكون مدمجة بعد الانتهاء من أسئلة استكشاف الاحتياج.
إذا كان الهدف لديك هو مزيج بين الاثنين: اختبار أحد الحلول بجانب استكشاف مشاكل العملاء، ابدأ أولاً بالتحديات التي تقابل العملاء، ثم اطرح الحلول لاحقاً بعد الانتهاء من سماع التحديات واحتياجات العملاء المشاركين. خطورة أن تبدأ بالأفكار في بداية المقابلة هو أن احتمالية وجود ردة فعل لدى المستخدم أعلى، سواء ردة فعل إيجابية أو سلبية.
فعلى سبيل المثال إذا أعجب المستخدم بفكرتك قد يميل إلى المديح أو الأفكار أو أن يسمعك ما تريد سماعه طيلة ما تبقى من المقابلة، وعلى العكس إذا لم تعجبه الفكرة قد يكون متحفظاً وراغباً في إنهاء المقابلة في أسرع وقت، ولا يعطيك إجابات مفيدة حول الاحتياج والمشكلة.
فيما يتعلق باختبار الأفكار في مقابلات المستخدمين، لا يكون التحقق بالأسئلة المباشرة من نوع: “هل أعجبتك الفكرة” أو التوقعات المستقبلية من نوع: “هل يمكن أن تشترك في فكرة مثل هذه؟”. بهذه الطريقة ستكون كمن يطلب بشكل غير مباشر من المستخدم أن يجامله أو يمتدح فكرته، وإذا جربت هذا النوع من الأسئلة ستصاب بالذهول لاحقاً عندما تطلق المنتج فعلياً وأن غالبية من أجاب بنعم في ذلك الحين لا يتفاعل معك من الأساس أو يطلب الكثير من التفاصيل التي لم يطرحها في ذلك الوقت. لماذا؟ ببساطة لأن الناس تحب أن تكون لطيفة كما ذكرنا سابقاً، كما أنهم لا يجيدون استشراف المستقبل بشكل سليم.
الحل عند اختبار الأفكار هو طلب التزام من المستخدم. بمعنى آخر ضع المستخدم في السياق الحقيقي وكأنك اطلقت منتجك وبدأت في البيع والتسويق الفعلي له، هنا تستبدل قبعة الباحث بقبعة مسؤول المبيعات أو التسويق.
أما أنا كمستخدم قد يكون من السهل علي أن امتدح فكرتك سواء لتشجيعك أو لطفاً مني أو لأني أتوقع أنها مفيدة لي مستقبلاً، لكن عندما يتعلق الأمر بطلب شراء على سبيل المثال، سأفكر جيداً من جميع الجوانب وسأعطيك ردة فعل حقيقية.
هناك العديد من أساليب طلب الالتزام من المستخدم، شخصياً أفضل الطريقتين الأولى والثانية، لكن بقية الطرق فعالة حسب استخدامها وكذلك دمج عدة طرق كما سوف نستعرض سوياً:
الإلتزام الأول: طلب الشراء
في حال كان المنتج جاهزاً أو على الأقل نسخة أولية منه، يمكنك البدء في بيعه للمستخدمين المشاركين. وهنا تضرب عصفورين بحجر، الحصول على تغذية راجعة فورية أو من خلال وجود خط تواصل مع المستخدم لاحقاً، والثاني بدأت في إدخال إيرادات مالية لمشروعك!
الإلتزام الثاني: طلب الحجز المبكر
في حال لم يكن منتجك أو نسخة أولية منه جاهزاً للبيع في هذه اللحظة، تستطيع توفير الحجز المسبق، وهو شراء فعلي لكن مع تأخير التسليم لوقت تقريبي تحدده. ويقدم عادة مع الحجز المبكر نسبة خصم نظراً لتأخر استلام المستخدم للمنتج.
بالإضافة إلى النوعين أعلاه، هناك العديد من طلبات الالتزام التي تستطيع قياس ردة فعل المستخدم من خلالها، ليست بقوة الالتزام المالي كما في الأمثلة أعلاه لكنها خيارات إضافية يمكنك استخدامها حسب حالة مشروعك:
الإلتزام الثالث: توقيع خطاب نية شراء
هذا النوع شائع أكثر في قطاع الأعمال (B2B) حيث يتم توقيع ما يسمى بخطاب نية شراء أو (Letter of Intent) وهو نية الجهة في شراء المنتج مستقبلاً عندما يتم إطلاقه، مع الحصول على بياناتهم وتوقيعهم على ذلك. مع العلم أن التوقيع ليس ملزماً ولا يوجد عليه أدنى مسؤولية قانونية إنما أخلاقية فحسب، لذلك هذا الأسلوب في الشركات لا سيما المتوسطة والكبيرة يكون أكثر جدوى لأنه يمر بعملية صنع قرار أو اعتمادات من عدة أفراد قبل التوقيع، وبالتالي قد يعطي مؤشر على حجم الطلب والاحتياج.
الالتزام الرابع: التزام الوقت
تستطيع استخدام هذا النوع من الالتزامات إذا كان المنتج مقعد وتحتاج المزيد من الوقت لتحليل الإحتياج وفهم إجراءات عمله وخطواته، كيف يعتبر الوقت مؤشر؟ إذا كان المستخدم على استعداد لبذل المزيد من الوقت معك لحل هذه المشكلة وإفراغ جزء من جدوله لذلك، فهذا مؤشر إيجابي، أما إذا كان يجاملك بالكلام فغالباً لن يضيع وقت إضافي معك. هذا النوع من الالتزامات أكثر شيوعاً في قطاع الأعمال أيضاً.
الالتزام الخامس: الترشيحات
وهو ترشيح أشخاص من دوائر معارفه تتواصل معهم. تعطيك الترشيحات مؤشر لا سيما إذا قام الشخص بترشيح عدة أشخاص وليس شخص واحد، لأن الناس تهتم بسمعتها ومن المتوقع جداً أن تستخدم إسمه أثناء تعريفك بنفسك للشخص الذي تم ترشيحه، وبالتالي لن يرشح لك شيء لا يؤمن بفائدته وأهميته.
ومع ذلك، بالنسبة لي لا ألجأ للترشيحات (وحدها) كدليل على الالتزام، لكن أحاول جمعها مع نوع التزام آخر، خصوصاً إذا لم يكن هناك التزام مالي، مثلاً بعد توقيع خطاب نية شراء تشكره على ثقته ونيته في الشراء مستقبلاً، ثم تطلب منه ترشيحات لأشخاص يعتقد أن هذا المنتج قد يفيدهم.
نصائح حول اختبار الأفكار والالتزامات
١) جمع عدة التزامات أمر مفيد جداً في قياس النتائج. تخيل بعد جولة تحقق مع خمسة عملاء محتملين قاموا بالحجز المبكر، وجدولت معهم عدة جلسات مستقبلية لمساعدتك على فهم الخطوات والإجراءات، ثم رشح كل شخص منهم بعض معارفهم لتتواصل معهم، هذا مؤشر رائع للاحتياج مقارنة بمجموعة قام المشاركين فيها بتوقيع خطاب نية شراء فقط، أو قام كل منهم بترشيح شخص واحد لك دون أي التزامات أخرى.
٢) لا تستهدف دوائرك القريبة في اختبار الأفكار، قد يضحي بعض من يحبونك ببعض المبالغ المالية والشراء منك ليس احتياجاً منهم للمنتج بل بهدف دعمك وتشجيعك فحسب. نفس الأمر ينطبق على الترشيحات، حيث لا تعطيك الترشيحات من الأصدقاء والعائلة نتائج يمكن البناء عليها لأنهم بالتأكيد يريدون مساعدتك بغض النظر عن ما تقدمه. استفد من هذه الترشيحات لكن لفتح نافذة تواصل مع شخص جديد لا يعرفك وتريد التحقق من أفكارك معه.